جبيل مهد الأبجدية

الأب أميل اده

أقوال المؤرخين وعلماء الآثار

    أجمع المؤرخون القدامى على الاقرار بأن الفينيقيين أذاعوا ونشروا الحروف الأبجدية في الشرق ابتداءً من الدول المجاورة، وفي الغرب ابتداءً من اليونان.  نذكر ، على سبيل المثل ، كلام المؤرخ اليوناني هيرودوتس، من الجيل الخامس ق. م. : ” هؤلاء الفينيقيون الآتون مع قدموس أدخلوا عند اليونان كثيراً من المعارف، من بينها الحروف الأبجدية التي، كما يظهر لي، لم يكن هؤلاء على علم بها قبلاً “.

    وفي الموضوع نفسه ذكرنا سابقاً كلام لوكانوس الذي كان صدى للرأي العام منذ زمن بعيد حتى أيامه .

    وأجمع كذلك المؤرّخون وعلماء الآثار في القرن الماضي وجيلنا القائم على الاقرار بفضل الفينيقيين على العالم كله، بسبب نشرهم في الشرق والغرب الأبجدية الفينيقية الشهيرة المعروفة باسم أبجدية جبيل.

      يقول في هذا المعنى الدكتور فيليب حتّي :

    ” لا شك بأن أعظم نعمة أسبغها الفينيقيون على الحضارة الانسانية كانت اكتشاف الحرف.  كان الفينيقيون أول شعب استعمل حروفاً هجائية صرفة في الكتابة.  وكانو الى جانب هذا ناقلي هذا الحرف وناشريه في العالم المتمدّن آنذاك” .

    وكتب ساباتينو موسكاتي :

    ” أحد أعظم أمجاد الفينيقيين ، وربما الأعظم على الاطلاق هو أنهم نشروا الأبجدية في بلدان المتوسط.  وليس من شك بتاتاً أن الفينيقيين علمّوا اليونان الكتابة الأبجدية، كما أن الفينيقيين واليونان أدخلوا هذه الكتابة في الغرب.

    ” هذا الحدث ثابت حقاً ويكفي لوحده أن يعطي الفينيقيين مكاناً ودوراً هامين في تاريخ الحضارة “.
Continue reading

سر التراث اللبناني

Estez-Fadel

ترسخ الشعب في ذاته يولد رسالته

بقلم الأستاذ الكبير الراحل فاضل سعيد عقل

نشرت في مجلة الفصول اللبنانية / العدد رقم 13 – 1984

كل شعب غير مجذر، يعجز، ليس فقط عن إكفاء نفسه، بل حتى عن البقاء. فالارتباط بين الاستمرار وبين إرادة الاستمرار شرط أساسي للديمومة. لان الإرادة تفرض الواقع، والواقع يفرض الديمومة. والديمومة تهب الإيمان بضرورتها إلى المستفيد منها.

وحده المصر على الحياة يبقى ويدوم، العنيد في تشبثه بأرضه وتمسكه بما تمثله هذه الأرض وبما تضمه من رفات وذكريات وثروات، وما ينتج عنها من تقاليد ومظاهر وعادات، وما يتولد فوقها من قرابات ومصالح وعلاقات. أما الزاهد في كل هذا، فهو مخلوق هامشي لا يعرف متى تقتلعه رياح الفراق وأعاصير الدمار.

الشعوب الحية بتراثاتها، المجذرة في ارض أوطانها، الواعية رسالاتها، تنتصر دائماً في معركة البقاء، فلا يجرؤ الفناء على الاقتراب من أسوارها، لأنها لا تؤخذ بالقمع والقوة والتخويف والإرهاب، مهما كانت إمكاناتها ضعيفة وعناصر دفاعها ضئيلة، لان شعورها بوجوب بقائها يشكل طاقات للمقاومة لا نهاية لها بعكس الشعوب المترهلة في أصولها، المائعة الجذور، فأنها سرعان ما تتنازل عن حقها وتفقد كل قابلية للمقاومة وكل شهية للتضحية وكل مناعة للصمود وكل مبرر للاستمرار. عندها تكون عناصرها التكوينية العضوية قد شاخت وقواها قد وهنت وإيمانها قد خار ومخزون التصدي فيها قد انهار، فقبلت بالانقياد والتخلي عن طموحاتها ونسيت تحدياتها وعراقتها.

شعب لبنان الذي عمره الحضاري من عمر الحضارة الإنسانية الأولى، إلى ستة آلاف سنة خلت، كأنه اليوم شعب فتي عمره بالكاد نصف قرن. وهذا الشعب، الذي عاش قرابة أربعماية سنة تحت الحكم العثماني الاحتلالي، والذي تحرر منه بفعل مناعة المقاومة وإرادة البقاء، وصبر طول هذه المدة مناضلاً للتحرر من الاستعمار، هو من الشعوب الحية التي لا تموت وفي طليعة الشعوب الحية المجزرة، لأنه مزروع في ارض وطنه لبنان. تخللت تاريخه مراحل حلوة ومراحل مرة. إلا أن المرحلة الذهبية النموذجية في تاريخ تراثه الوطني، التي أبرزت جوهره الحق، كانت مرحلة حكم الأمير فخر الدين الثاني.

Continue reading

أسـم لـبنـان عـبر الـعـصـور

Dr.-Antoine-Emile-Khoury-Harb

 

بقلم انطوان اميل خوري حرب

* من مواليد تنورين سنة 1944.

* تلقى علومه في مدارس الفرير.

* نال اجازة في التاريخ من الجامعة اللبنانية سنة 1969.

* انتخب، سنة 1971، أمينا عاما لمؤسسة التراث اللبناني التي أنشأت سنة 1964 والتي تعمل على نبش كنوز التراث اللبناني ونشرها في لبنان والعالم.

* نال ليسانس في علم الآثار من الجامعة اللبنانية سنة 1973.

* حاز على جائزة سعيد عقل في تشرين الأول سنة 1974 على دراسة آثار لبنان. وقد ورد في براءة الجائزة:” ان أبحاث انطوان خوري حرب الأثرية جعلتنا نملك عن معظم الهياكل التي كانت ترصع لبنان، مجموعة صور – وثائق تحولنا كثرتها وجمالها تسمية وطننا “بلد الألفي هيكل”. ان المسح الاركيولوجي الرائع الذي قام به هذا الوارث للكلف بلبنان، ليشكل ثروة تزيد في تماسك المجد اللبناني الفريد”.

* نال دبلوم في الدراسات العليا في التاريخ من جامعة الروح القدس الكسليك سنة 1979 على أطروحة “اسم لبنان عبر العصور”، وقد أشرف على البحث الدكتور فؤاد افرام البستاني والدكتور لويس خليفة والدكتور ادمون موسى.

* ألقى سلسلة محاضرات عن تاريخ لبنان الحضاري في المدرسة الحربية وكلية التاريخ في جامعة الروح القدس – الكسليك والجامعة اللبنانية وفي أندية ثقافيّة عدّة في مختلف أنحاء لبنان.
*************************

إذا كان صحيحا أنه يصعب على من يؤرخ للأشخاص عزلهم عن بيئتهم وموروثاتهم وخصائصهم الفردية المميزة، فالصحيح أيضا أنه يصعب على من يؤرخ للوطن أن يفصله عن غوره في الزمان وانطراحه في المخطوطات والآثار وتفاعله مع محيطه وبالتالي عن خصائصه التي عرف بها منذ بدء وجوده ا اليوم…وإذا كان يقينا ان الإيمان أساسه المعرفة وان أوّل مبادئ المعرفة هو معرفة النفس، فاليقين كذلك أن كثيرا من الأوّليات والبدهيّات والمسلمات تبدو لا أهمية لها لشدة بساطتها.

وإذا كان كثير من الأجوبة يبدو عاديا لكثرة ما ألف الناس تكراره، فليس من العادي ابدا ألا يعرف المجيب بعد جوابه وحقيقته ومدلوله.

فهل ابسط من أن يقول اللبناني حين يسأل عن هويته : أنا فلان وأنا “لبناني”؟ ولكن هل يدري هذا، معنى جوابه؟ هل يدرك أبعاد هذه النسبة وقدرها الحضاري؟

Continue reading