التيار الوطني الحر”… فرع جديد لـ “حزب الله” في الساحة المسيحية

»السياسة«

لم يكن الاتفاق الثنائي الذي وقعه أمين عام »حزب الله« السيد حسن نصرالله ورئيس »التيار الوطني الحر« النائب ميشال عون قبل أكثر من عام مجرد تحالف سياسي, أقله بالنسبة إلى »حزب الله« الذي سعى منذ توقيع الاتفاق إلى تجيير هذه العلاقة باتجاهات تلائم طروحاته. لا بل سعى إلى أكثر من ذلك, حيث عمد إلى اختراق نسيج وتركيبة »التيار الحر« في أكبر عملية خرق سياسي وتنظيمي يحققها »حزب الله« في صفوف العونيين.

وبالاستناد إلى بعض التفاصيل الدقيقة والحقائق الواقعية التي يوردها قياديون على صلة بخروقات الحزب في صفوف التيار العوني, فإن عمليات الخرق الواسعة أصبحت واسعة وخطيرة وتنذر بعواقب وخيمة قد تؤدي إلى هيمنة »حزب الله« سياسيا على المناطق المسيحية, وتأتي هذه الخطة الجهنمية للتأثير في مرحلة أولى على مركز القرار في التيار الوطني الحر, وللإمساك بهذا التنظيم في حال حصل مكروه مفاجئ لزعيمه لاحقا.

 وتتركّز عمليات وآليات الخرق هذه على ثلاثة محاور:

محور سياسي يكمن في خرق تكتل »الإصلاح والتغيير« النيابي ومراقبته من الداخل, وتنظيم تقارير دورية تفيد عن وضعية هذا التكتل السياسي, وعن قراراته وحالته المعنوية وتحركات كل نائب فيه وميوله واتصالاته ونواياه السياسية. وقد ألقيت مهمة تنفيذ هذه الخطة على عاتق النائب عبّاس الهاشم بصورة أساسية, وعلى كاهل النائب حسن يعقوب بصورة احتياطية وتبعية.

  محور إعلامي: تنفّذ من خلاله عملية خرق التيار إعلاميا ووضع اليد على محطة ال¯ “OTV” التلفزيونية وعلى الموقع الالكتروني للتيار الوطني الحر  “Tayyar.org”الذي تحوّل إلى شركة خاصة تعود ملكيتها إلى سيمون أبي رميا. هذا مع الإشارة إلى أن الخرق الإعلامي المذكور ينفّذ تحت إشراف ورعاية جان عزيز وطوني نصرالله اللذين قبضا أموالا طائلة من إيران و»حزب الله« لقاء قيامهما بهذه المهمات, وبمشاركة كارلوس أبو جودة الذي كان رجل ميشال المر والذي يعمل حاليا كمحام لمحطة تلفزيون التيار بعد أن أوكل إليه »حزب الله« مهمة القيام بأكبر عملية تبييض أموال لحسابه.

محور تنظيمي وهو المحور الأخطر ويراد من ورائه الإمساك بقيادات ومقدّرات التيار من الداخل وبهيكليته التنظيمية, وقد أوكلت هذه المهمة إلى كل من زياد عبس وسيمون أبي رميا.

وبحسب مصادر مطلعة جداً في قيادة التيار فإن هذه الخطة خصوصاً على مستوى المحور الأخير تقضي بترغيب الكثير من »الكادرات« في التيار الوطني الحر عن طريق الوعود بإيصالها إلى مناصب سياسية مرموقة وبدعمها لتسلّم زمام الأمور في حال توفي العماد عون فجأة, وعن طريق دفع مبالغ كبيرة من الأموال لعدد لا يستهان به من المسؤولين في هذا التيار ومنهم خصوصا زياد عبس وسيمون أبي رميا وطوني نصرالله ولواء شكّور.

الفريق الرباعي والمخطط التنظيمي

 وكان قد بدأ »حزب الله« يلعب منذ فترة بواسطة جهازه الأمني على المتناقضات والانقسامات في داخل حزب العماد عون, وذلك بعد أن تأكّد أن هناك مجموعات تتناحر بشكل حاد وتتسابق على السلطة بصورة محمومة, مما سمح له بالتسلل إلى داخل هذا التنظيم عبر نوافذ التشتت والفوضى العارمة التي فتحت في كل جدرانه المهزوزة, وبحيث أصبح »حزب الله« يرصد كل تحركات العماد عون ومكالماته ومحادثاته الخاصة, ويطلع على كل قراراته في الداخل والخارج.

 وفي هذا الإطار استعان »حزب الله« خصوصا بزياد عبس لوضع مخططه موضع التنفيذ, فشجّع بواسطته مجموعة من العونيين وعلى رأسها سيمون أبي رميا وطوني نصرالله ولواء شكور على تأليف لجنة يكون من مهامها إعادة تنظيم التيار ودراسة القرارات السياسية وعرضها على العماد عون قبل أن يقدم هذا الأخير على اعتماد أي حل سياسي أو أي خطة سياسية, وذلك في مواجهة صهره جبران باسيل الذي يكنون له العداء ويتحينون الفرص للانقضاض عليه. وكانت قد تألفت هذه اللجنة تحت غطاء مواجهة نتائج انتخابات المتن الأخيرة, وإصلاح الأخطاء التي ارتكبت, ومعالجة ظاهرة تراجع شعبية التيار في هذه المنطقة, وقد سميّت بلجنة » إعادة التقييم«. وكان هناك إصرار على إشراك آلان عون ونعيم عون بأعمال ومقررات هذه اللجنة, وذلك لتأمين غطاء عائلي شبه شرعي لها. كما أصر عبس على إدخال الدكتور كمال اليازجي في هذه اللجنة لإعطاء الإيحاء بأن مهمة اللجنة المذكورة هي بحت إصلاحية.

ومن المؤكّد أن أهداف المخططين لهذا المشروع الانقلابي تختلف باختلاف المصالح المزمع تحقيقها. فالفريق الأول (حزب الله) يهدف إلى خرق »التيار الوطني الحر« والإمساك بمقدراته وبقراراته عن طريق إيصال أشخاص ضعفاء ومأجورين لحسابه إلى سدة المسؤوليات في التيار ومنهم زياد عبس وطوني نصرالله وسيمون أبي رميا ولواء شكّور ورفاقهم. أما أهداف الفريق الثاني (المؤلّف من آلان عون ونعيم عون) فهي عائلية وسياسية بحتة.

باسيل ونافذة على فرنجية

وعلى صعيد آخر, فإن جبران باسيل, وإن كان في موقع »المطوّق« حاليا داخل التيار, فهو يحظى حتى الساعة بدعم زعيم التيار الوطني الحر الذي لم يتمكّن حتى تاريخه من التحررّ من وطأة الضغوط العائلية التي تلعب الدور الأول والأساسي في عملية اتخاذ القرارات الحاسمة. أضف إلى ذلك, أن جبران باسيل, وبمعزل عن العماد عون, أقام شبكة متماسكة من العلاقات مع سليمان فرنجية وحلفاء هذا الأخير, وهو حاول أخيراً التأثير على » عمه« لمنعه من الاجتماع بالنائب سعد الدين الحريري وذلك تحت ضغوط سليمان فرنجية. مما يدل على أن المجموعة الأولى »ممسوكة« من »حزب الله«, أما المجموعة التي يتزعمها جبران باسيل, ومن ضمنها بيار رفّول والعميد فايز كرم, فهي ممسوكة بدورها من قبل فرنجية وجماعته. ويمكن, أن نضيف إلى هذه المجموعة الثانية (ولكن بنسبة أقل كونه يعمل لحسابه الخاص) النائب إبراهيم كنعان الذي تربطه علاقة ود متينة بسليمان فرنجية عن طريق زوجته التي هي إحدى قريبات هذا الأخير.

 ووفقا لمصادر مطلعة اجتمع إبراهيم كنعان لمرات عدة بمسؤولين سوريين أمنيين رفيعي المستوى في لندن, وعرض عليه هؤلاء موضوع طرح اسمه كمرشح لمنصب رئاسة الجمهورية.

وعلى خط المجموعة الأولى تولّى زياد عبس منذ ما يقارب السنة عملية خرق » الكادرات« في التيار الوطني الحر, فأقنع سيمون أبي رميا بالعودة نهائيا إلى لبنان وبضرورة التعاون مع »حزب الله« كي يتمكنا من استلام مسؤوليات مهمة في صفوف التيار المذكور, وخصوصا أن أبي رميا لم يتمكّن حتى تاريخ بدء هذه العملية من استلام أي مركز محدد في التيار الوطني الحر, فتارة كان يستعمل صفة مسؤول العلاقات الديبلوماسية, وتارة أخرى صفة عضو لجنة العلاقات الديبلوماسية, كما أقدم أيضا على استعمال صفتي مسؤول العلاقات الخارجية أو عضو اللجنة المركزية. يشار إلى أن لجنة » إعادة التقييم« سميّت لاحقا »باللجنة المركزية«, حيث بدأت بقضم المسؤوليات وبفرض وجودها وسلطتها داخل التيار من دون موافقة العماد عون على هذه التسمية الجديدة.

ترويج »حزب الله« فرنسياً

 بدأت الاتصالات بلقاء أول دبّره زياد عبس بين سيمون أبي رميا وغالب أبو زينب, تمت خلاله مناقشة أمور عديدة حيث حاول أبي رميا إثبات مكانته وما كان قد عرضه في غيابه زياد عبس على المسؤولين الأمنيين في »حزب الله« من انه متخصص في الأمور الفرنسية وتربطه علاقات مهمة مع المسؤولين الفرنسيين ومع قصر الاليزيه في فرنسا. وعقب هذا اللقاء الأول, توالت الاجتماعات واللقاءات بين محمود قماطي (عضو المجلس السياسي وأحد كبار المسؤولين الأمنيين في »حزب الله«) وسيمون أبي رميا وزياد عبس, حيث عرض قماطي على أبي رميا الاجتماع بنواف الموسوي كونه المسؤول عن العلاقات الدولية في »حزب الله«. وعقد أبي رميا بحضور زياد عبس عدة اجتماعات مع الموسوي اتفقا خلالها على تجنيد كل الطاقات من أجل تبييض صفحة »حزب الله« في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية, وإقناع الرئيس الفرنسي بضرورة التعاون مع هذا الحزب, والعمل على نزع صفة الإرهاب عن نشاطاته السابقة والاعتراف به كمقاومة.

 وبنتيجة كل هذه اللقاءات والمحادثات تعهّد سيمون أبي رميا أن يعمل على إقناع الفرنسيين بمشروعية عمل »حزب الله«, وتجنيد العديد من رفاقه في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ولاسيما من أعضاء » التجمّع من أجل لبنان في فرنسا« لخدمة قضية »حزب الله«. ثم أن سيمون أبي رميا أشاع جوا في أوساط »حزب الله« مفاده أنه مقرّب من حزب الرئيس الفرنسي, وانه الصديق الشخصي للناطق باسم قصر الاليزيه دافيد مارتينو, ويستطيع خدمة قضية »حزب الله« ولعب دور الوسيط بين هذا الحزب والفرنسيين. والحقيقة أن سيمون أبي رميا على علاقة صداقة بدافيد مارتينو ( وهو يهودي ومجنّد إسرائيلي نفّذ خدمته العسكرية في إسرائيل), إذ أن هذا الأخير هو صديق زوجة أبي رميا الفرنسية بحكم انتمائهما إلى حزب تكتل الحركة الشعبية من اجل الجمهورية. ومن هنا يحاول أبي رميا استغلال هذه المعرفة منذ أن كان مارتينو يعمل مع الرئيس ساركوزي في الحزب المذكور. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن ليس لمارتينو أي مكانة أو سلطة في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بسياسة فرنسا الخارجية لاسيما أن الرئيس الفرنسي كان قد سلّم الملف اللبناني لمستشاره للعلاقات الخارجية جان دافيد ليفيت.

 أبو رميا… عين فرنسا على عون

يشار أيضا إلى أن أبي رميا طلب من رفاقه في التجمع من اجل لبنان في فرنسا ولاسيما من رئيسه الحالي ايلي حداد الذي يعمل تحت إشرافه مباشرة وبناء لتعليماته, القيام بحملة إعلامية مكثفة في فرنسا لصالح »حزب الله« ولشرح أحقية ورقة التفاهم الموقعة مع هذا الحزب, وبمحاولة السيطرة على مراكز القرار في فرنسا عن طريق تكثيف الاتصالات مع المسؤولين الفرنسيين وبناء صداقات مع كل النواب والوزراء والمسؤولين الإداريين.

ولا بد من التذكير بأنه يقال أن أبي رميا كان على علاقة بجهاز مخابراتي فرنسي, وكان يقدّم لهذا الجهاز تقارير دورية تتعلق بنشاطات العماد عون وبقراراته وبرؤيته السياسية. لا أحد يعرف ما إذا كان على علاقة دائمة بهذا الجهاز حتى الآن.

 على كل حال إن من يراقب نشاطات أبي رميا وزياد عبس وطوني نصرالله ولواء شكّور وتحركاتهم وقطار حياتهم (شراء عقارات وسيارات في لبنان وفي الخارج), يمكنه أن يلاحظ من دون عناء الثراء السريع وغير الطبيعي الذي يتنعّمون به منذ فترة. والسؤال البديهي الذي يطرح هنا هو من أين لهم كل هذه الأموال?

  لا ننسى أن »حزب الله« يعمل بشكل حثيث على دعم مجموعة عبس-أبي رميا, وعلى خلق نوع من الفوضى في صفوف التيار الوطني الحر, والدليل الساطع على ذلك هو المعلومات التي نشرت في صحيفة »الأخبار« اللبنانية القريبة من »حزب الله« والتي تطال من سمعة التيار الوطني الحر, وهي تشير إلى الاهتراء الداخلي الذي أصاب التيار بسبب سياسة الجنرال التي تقوم على الإقطاع العائلي وتوريث صهره جبران باسيل (على حد مزاعم هذه المجموعة). وكانت هذه المعلومات قد سلّمت إلى الصحافي إبراهيم الأمين من قبل عبس وأبي رميا, ونشرت بعد ذلك بتاريخ الخامس عشر من سبتمبر في مقال وقعه »غسان مسعود« في صحيفة »الأخبار« بهدف الضغط بطريقة غير مباشرة على العماد عون للقبول بتأليف لجنة إعادة التقييم التي حولت لاحقا إلى ما سمي بلجنة مركزية.

 تجدر الإشارة إلى أن أحد أفراد هذه المجموعة أنشأ موقعا الكترونيا بمساعدة وإشراف »حزب الله«, وهو يسرّب أخبارا ومعلومات دورية ودقيقة لهذا الحزب, وتنشر على هذا الموقع المعلومات يوميا وحتى ساعة بساعة. واللافت هو أن هذا الموقع هو الذي نشر خبر تواجد سليمان فرنجية في فرنسا وشيّع تلفيقا عن لقاء مزعوم سيعقد بين العماد عون وفرنجية. مما يدل على أنه كانت هناك محاولة تشويش على لقاء عون-الحريري بهدف إجهاضه قبل التوصل إلى أي نتيجة ايجابية.

  يفهم من كل ذلك أن هناك محاولة جادة وحثيثة من قبل »حزب الله« تصبو إلى تنصيب الأشخاص المرتهنين له داخل التيار الوطني الحر في مناصب وزارية أو نيابية, وذلك للتمكن من الإمساك بالقرار السياسي المسيحي, والى إقصاء أي شخص في التيار قد يفهم من خلال تصرفاته أو مواقفه أنه ضد تحالف التيار مع »حزب الله«. مما يعني, بخلاصة القول, أن التيار الوطني الحر تحوّل إلى حصان طروادة لحساب أجهزة »حزب الله« ومخططاته