توضيحٌ عاجل: قبل حرب تموز البائدة بأسابيع، كتبت مقالا في جريدة «النهار»، تحدثت فيه عن مجازفتي في الانتقال من واحة التفاؤل الى نفق التشاؤم، فيما لبنان يومها كان بحاجة الى ان اكون وحدوياً جدا، تعايشيا جداً، أي لبنانياً جدا. يومها، حدث عبوري، لا لعلمي بأن حرباً كاسرة ستأتي، بل إحساساً مني بأن مقتضى التأزم السياسي الذي كنا نملك من الأمثلة ما يفيض عن حاجتنا للاستدلال على وجوده وخطورته، يستدعي بروز أزمة لن نستطيع فيها تحقيق مقدار صغير من تأجيل نهاية الإنهيار… وليس من تأجيل بدايته ! جاءتنا الحرب المحكومة سلفاً بـ«نصر إلهي»، تهجّرنا من بيوتنا التي تدمرت بفعل العدوان الصهيوني الغاشم، وتعلمنا جيداً «أخلاقيات المهنة»!! صبرنا على العذابات، وتولد عندنا حداد إسودٌ لا يجيد قراءة الارقام على شيكات العودة الذليلة. انتهت الحرب، وبدل ان نجلس لنتدارس نتائجها واسبابها وتداعياتها على الاجتماع اللبناني المحتقن أصلا، سارع حزب الله، وريث الدولة الإيرانية في لبنان، سارع الى «فلش» إسفلت النصر فوق أشلائنا، واستعجل إعلامه حقننا يومياً بمنشطات الحمية الوطنية والنصر الإلهي «بتعصب» ندر له نظير، تاركا وجع لبنان خلف حرف الاستثناء. هنا، تمخضت معادلة صعبة، ففينا نزيف ورائحة موت، ودمار ومذابح تقف في الهواء الطلق!! اما عندهم، فكل هذا هو نصر مظفر يقف في الرياء الطلق !!
الطريق إلى الكارثة!
إذن، حزب الله زاد عناداً بعد حرب تموز، وجنح الى استعمال خطاب الإدانات المقدسة الذي اتهم فيه كل لبناني مخالف بالتواطؤ والعمالة والخيانة. تعمقَّت الفجوة بين اللبنانيين واستفحل الخلاف، فهرب حزب الله الى الداخل في محاولة منه لحماية السلاح ومهمة السلاح وارتباطات السلاح، احتل وسط بيروت وعطل الحياة الإقتصادية فيها، كمقدمة لتعطيل الحياة السياسية في لبنان والسيطرة الكلية على مفاصله. نفذَّ حزب الله مهمته جيداً، وبدعم من قوى أطلق عليها تسمية المعارضة الوطنية اللبنانية، استطاع إغلاق مجلس النواب، ونشر الرعب في نفس كل مواطن توّاق الى الديمقراطية وحكم الدولة، وصنع سجناً لمن افترضهم عملاء وخونة، فوضع فيه سياسيين نظَّروا للسيادة والحرية والإستقلال، ورجال دين دافعوا عن مشروع الدولة. لم يكتفِ حزب الله بهذا القدر، بل قرّر الذهاب نحو الكارثة، فكان السابع من أيار، موعداً لإحتلال لبنان بقوة السلاح، فقتل من قتل، وشرّد من شرَّد، وطرد من طرد، وسيطر على آخر معاقل الدولة، مستعيداً الجدل الفارسي الخبيث حول طبيعة النظام السياسي في لبنان وأصل وجود الدولة.
العودة الى الأصل – موسى الصدر وحزب الله: مقاومتان ومشروعان
تذكير عاجل: حدث قبل اشهر ان ظهر حسن نصر الله خطيباً، وكالعادة، مجيداً تلوين خطابه بكل شيء، بألوان الأصفر والأحمر والحرب والنضال العضال والمياتم والجثث والمقابر وكل صفوف «كلية الشغب العليا »… اذن، خطب نصرالله فينا، خرق معابر الذاكرة، وحدثنا عن رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الامام السيّد موسى الصدر !! ليلة الخطاب، قابلت صديقاً فسألني عن سر تحكيم الإمام، وقال: بدا نصرالله فائق العناد، كثير المكابرة، اجاد اللعب بالكلام. نعم، كان شديد التأثر بالامام موسى الصدر، لدرجة وصلت حدود الاصرار على السباحة عكس اتجاه تيار الحقائق التي هي حقيقة اتخذت سمة الاستقرار والترسّخ في اذهان الناس. اجبت صديقنا: شقية هي اللغة، ونصرالله فنان في الرقص لغواً، حاد الذكاء، بارزنا على أرض له، برجل لم يكن يوماً له!!
على كل حال، لنعد الى الطريق حيث الموضوع، كل الموضوع،، محاولة فهم المذهب السياسي الذي اتبعه الامام السيّد موسى الصدر. وفهم مشروعه المقاوم الذي لا ينفصل عن دعم الدولة والدفاع عن مشروعها، والذي تعارض كلياً يومها مع مشروع المقاومة الفلسطينية، وبالتالي، فهو وبكل تأكيد – أي مشروع مقاومة السيد موسى الصدر -، يتعارض مع مشروع مقاومة حزب الله الحالية التي تنحر الدولة ومشروعها.
You must be logged in to post a comment.