انفجارات خربة سلم وبلع الألسنة

blast

بقلم الياس بجاني

إن حقيقة وجود حزب الله العسكري اللافت والقوي داخل كل منطقة عمل القوات الدولية في الجنوب اللبناني خلافاً لما ينص عليه القرار الدولي رقم  1701 ليس خافية على أحد البتة، لا على سكان تلك المنطقة، ولا على القوات الدولية، ولا على قيادة الجيش اللبناني، وبالطبع ليس على الدولة العبرية التي تملك قدرات تقنية وعسكرية متطورة جداً. أما عملية استمرار تسلح حزب الله دون حسيب أو رقيب فهذا أمر يفاخر به أمينه العام السيد حسن نصرالله علنية بمناسبة وغير مناسبة، وبالطبع الأسلحة من صواريخ ومدافع وذخيرة ومعدات لا تهبط على دويلة الحزب في الضاحية من السماء، وإنما تدخل علانية عن طريق الحدود السورية -اللبنانية عبر ممرات عسكرية خاصة لا تزال مؤمنة للحزب بمعرفة كل المسؤولين اللبنانيين والسوريين.

من هنا فإن سلسلة الانفجارات التي وقعت في أحد المباني في خراج بلدة خربة سلم- قضاء بنت جبيل صباح الثلاثاء 14 تموز/09 واستمرت طوال اليوم لم تكن حادثاً مفاجئاً لأحد، كون الجميع يعلم أن تحت المبنى الممنوع الاقتراب منه انفاق يُخزِن فيها الحزب السلاح وتقوم عناصره بمهمة حراسة الموقع على مدار الساعة.

المحزن أن البيانات اللبنانية الرسمية ذكرت أن قوات اليونيفيل والجيش اللبناني طوقت منطقة الانفجارات وبدأت بإجراء تحقيق حول مسببات الحادث، في حين أن سكان المنقطة قالوا للصحافيين دون أن يجرأوا على ذكر أسمائهم إن عناصر حزب الله هي التي قامت بعملية التطويق التي لم تمنع فقط السكان من الاقتراب من المبني، بل أيضا قوات “اليونيفيل وعناصر الجيش اللبناني وقد أفادت جريدة السياسة الكويتية أن ثلاثة عناصر حزبية على الأقل نقلهم الحزب على عجل تحت حراسة مشددة إلى أحد مراكزه الصحية.

 (بيروت – خاص:السياسة 16 تموز/09/”أكد مصدر أمني رسمي, أمس, إصابة ثلاثة عناصر من “حزب الله” في انفجار مخزن الذخيرة في بلدة خربة سلم الجنوبية أول من أمس. وأوضح أنه لم يتم التأكد من حقيقة هذه الإصابات, وما إذا كانوا قتلى أو جرحى, ولكن تم التأكد من نقل ثلاثة أشخاص إلى إحدى مستشفيات الحزب, لافتاً إلى أن مسلحي الحزب ضربوا طوقاً أمنياً محكماً حول مكان الحادث ومنعوا القوى الأمنية اللبنانية والدولية من الدخول إليه”).

 وطبقاً للوكالة الوطنية  للأنباء في تاريخ 15/7/2009، فقد وزع المكتب الإعلامي لقوات “اليونيفيل” في الناقورة بياناً جاء فيه: (“اجتمع اليوم قائد قوات “اليونيفيل” المعززة الجنرال كلاوديو غراتسيانو مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وقائد الجيش العماد جان قهوجي لابلاغهم بمستودع الذخيرة الذي تم اكتشافه نتيجة سلسلة الانفجارات التي حدثت أمس في خربة سلم، وعمدت القوات المسلحة اللبنانية بالتنسيق مع “اليونيفيل” إلى تطويق المنطقة، ويعمل الطرفان على إجراء التحقيق في الحادث. وتعتبر “اليونيفيل” هذا الحادث خرقا خطيرا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، وخصوصا للبند الذي ينص على عدم وجود أي أسلحة أو أي عتاد غير مرخص لها في منطقة العمليات بين نهر الليطاني والخط الأزرق. وأبلغت “اليونيفيل” مقر الأمم المتحدة بالحادث، وهي على اتصال مع كل الأطراف لإبلاغهم بأي معلومات جديدة”.)

يشار هنا إلى أن القرار الدولي رقم 1701 الصادر في آب 2006  الذي كان أوقف الأعمال الحربية بين حزب الله وإسرائيل عقب حرب طاحنة بين الطرفين استمرت لمدة 34 يوماً، قد وضع حظراً على تهريب السلاح إلى لبنان وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها وحصر السلاح في الجنوب في يد القوات النظامية اللبنانية وقوات الطوارىء الدولية.

 منذ صدور القرار الدولي هذا وتوقف المعارك، لم يعد هناك سلاح ظاهر لحزب الله داخل منطقة عمل القوات الدولية في الجنوب، إلا أنه في نفس الوقت لم يحصل أي سحب علني للسلاح من هذه المنطقة مما يعني بوضوح أن أسلحة حزب الله قد بقيت حيث هي، لا بل ازدادت وذلك طبقاً لكلام للسيد نصرالله الذي يؤكد باستمرار أن ترسانة حزبه تزداد يوماً بعد يوم وهي الآن أضعاف ما كانت عليه قبل حرب تموز 2006. إن الشيء الوحيد الذي تغير عقب القرار 1701 هو أن عناصر حزب الله أصبحوا بعد حرب تموز يرتدون الملابس المدنية بدلاً من العسكرية وهم يتنقلون بحرية تامة في كل مناطق الجنوب على مرأى وسمع الجيش اللبناني والقوات الدولية.

 الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عبّر في سلسلة تقارير وضعها حول تطبيق القرار 1701، عن قلقه من المؤشرات على استمرار وجود السلاح في الجنوب. وقال في تقريره الأخير الصادر في تموز الفائت إن “السلطات اللبنانية تتحمل المسؤولية الأساسية في التأكد من عدم وجود عناصر مسلحة غير مرخص لها أو أسلحة في المنطقة الممتدة بين الليطاني والخط الأزرق الذي يقوم مقام الحدود بين لبنان وإسرائيل. وهذه المنطقة هي منطقة عمل القوات الدولية. وأشار بان إلى إن اليونيفيل تدعم الجيش اللبناني في هذه المهمة.

إن الواقع الميداني الذي يفرضه حزب الله في الجنوب وفي باقي المناطق اللبنانية يبين دون أدنى شك أنه لم يتقيد عملياً بأي بند من بنود القرار 1701، فهو لم يسلم سلاحه إلى الدولة اللبنانية، وقد أبقى على وجوده العسكري وعلى مخازن سلاحه داخل منطقة عمل القوات الدولية، في حين استمر وعلنية بإدخال السلاح الإيراني عبر سوريا وبتسليح ليس فقط رجاله بل كل الميليشيات الإرهابية التي تتبع مباشرة لكل من سوريا وإيران.

حزب الله عطل دور الجيش اللبناني من خلال سلسلة من المواجهات معه في بيروت والبقاع والعاصمة وهو يسيطر عملياً على معظم مفاصل الدولة ومتغلغل بشكل كبير وفاعل في كل المواقع الرسمية العسكرية والمدنية على حد سواء ويفرض بالقوة والتهديد على أركان الدولة ما يريده وكلنا يذكر غزوتي بيروت والجبل وكيف أجبر رئيس الجمهورية على المشاركة في القمة العربية التي عقدت في الدوحة برئاسة سوريا بغياب معظم الدول العربية عنها وتطول القائمة.

 والحزب من خلال وزير الخارجية، فوزي صلوخ، التابع له مباشرة، وليس للدولة اللبنانية يستمر في التشكيك بكل التقارير التي يصدرها الأمين العام للأمم المتحدة وممثليه حول تنفيذ القرارين 1559 و1701 في حين يفرض أوامره على الدولة اللبنانية والويل والثبور لأي مسؤول يخالف تعليماته.

 نسأل جوقات المطبلين الجدد والقدامى الذين يدورون في فلك حزب الله ويقدسون سلاحه والمعادين للقرارات الدولية ولأميركا والغرب وفي مقدمهم العماد ميشال عون لماذا بلعوا ألسنتهم ولم يصدر عنهم أي بيان حول انفجارات خربة سلم؟  والجواب هو أنهم عاجزون ومقيدون وفاقدون لحريتهم، أما قرارهم فهو عند أولياء نعمهم في دمشق وطهران وقد أمسوا للأسف مجرد صنوج لا أكثر ولا أقل.

 إن حادثة خربة سلم دليل ساطع وقاطع على أن لا قيام للدولة اللبنانية في ظل وجود دويلة حزب الله وبالتالي فإن كل من يوالي هذا الحزب ويقول قوله أكان خدمة لشهوته للسلطة، أو خوفاً وتملقاً وزندقة فهو يعمل على تقويض لبنان الكيان والرسالة والتاريخ والحريات والتعايش .

 ليعلم الجميع أن هذا التنين الفارسي لن يوفر أحد، وخصوصاً الذين يتملقونه ويحابونه وهو سوف يفترسهم قبل غيرهم الواحد تلو الآخر ودون رحمة عندما تسنح له الظروف، وقد تجلت هذه الشهية الدموية النهمة خلال غزوتي بيروت والجبل والتي سماها السيد نصرالله باليوم المجيد، والتنين عاد وذكر الجميع في عايشة بكار بما هو مُحضر وجاهز للتنفيذ ميدانياً ضد كل ممانع ومعارض لمشروعه. 

 ليعلم من يعنيهم الأمر أن التنين لا يحمي أو يرحم من يحابيه ويقدم له القرابين. إن حماية الجميع لا تؤمن إلا في حضن دولة القانون والعدل القوية والشرعية. ويجب ان يدرك من يدير هذه الدولة ان التمادي في اعطاء المبررات لمن يسمونه العدو ستجلب على لبنان حرباً قد تكون أكثر تدميراً من حرب تموز.

فهل يسمع من يعنيهم الأمر فيتعظوا ويتوقفوا عن بهلوانياتهم وتكويعاتهم!!!