زمن وئام وهاب

wiam-wahab

علي الرز

حدثنا العلامة المفكر بعثان بن غزوان قال:

ستهب يوما على اقليم لبنان في بر الشام ريح صرصر وغيوم سود. تتنابذ معها النفوس وترتفع فيها الفؤوس وتطير بموجبها رؤوس، فتنعق غربان الفتن وتتعاظم المحن ويشرب الجميع مر الكأس وينتشر اليأس… ثم يأتي فارس الحكاية متحدثا عن “الصرماية”، مهددا بالويل والثبور وعظائم الامور. يشتري ويبيع. يحذر الجميع. يساير الجميع. يكر ويفر. ملوحا بموقع يغر او متوعدا بدم يشر. فإلى الوراء در… يعود الاقليم الى البر ويا دار ما دخلك شر.

لم تكن في زمن العلامة بعثان لا تلفزيونات واذاعات وصحف ملونة ولا ثورة اتصالات. كانت مخطوطاته تنتشر عن طريق النسخ والتداول او الحمام الزاجل. اما في زمن رئيس “حركة التوحيد” اللبنانية الوزير السابق وئام وهاب فيمكن القول ان ثورة الاتصالات تعيش حركة تصحيحية وتدخل جيلها الثالث بابعاد مختلفة.

لا يوجد في “اقليم لبنان” اليوم أهم من السيد وهاب. صاحب الشعارات التأسيسية للمرحلتين الحالية والمقبلة التي اعتقدنا واهمين ذات يوم انها عبارات مبتذلة لا تصدر الا عن قطاع طرق لا عن سياسيين وتحديدا موضوع تشبيه المحكمة الدولية بجزمته او عن تهديداته لهذا السياسي او ذاك بالقتل والتغييب او في تلميحاته الدائمة “غير السياسية” المتعلقة بنائبات ووزيرات. كنا واهمين ونعترف بذلك حتى بتنا مضطرين ايضا  وبعد التطورات الاخيرة الى تصديق ان عناوين المرحلة المقبلة سترتكز على مفرداته التي طالما رفضناها… الم يقل لا فض فوه “تذكروني وتذكروا كلامي وراقبوا ما سيحصل”، سائرا على نهج العلماء الأفاضل:”سلوني قبل ان تفقدوني”.

في السابق، كان تغيير المحطة التلفزيونية سهلا لمن لا يريد ان يسمع وهاب ولا يرغب في تبيان حقيقة الموقف السوري كون الرجل احد المعبرين مباشرة عن التوجهات التي تطبخ في ريف دمشق. اليوم حاول ان تغير المحطة فستجد في كل واحدة منها وئاما. هنا يتحدث عن ضرورة توحيد الطائفة الدرزية لتعود الى لعب الدور الريادي في الجبل والتوازني على مستوى الوطن. هناك يتحدث عن استكمال للمصالحة الدرزية – المسيحية كي تشمل لقاء بين العماد ميشال عون والزعيم وليد جنبلاط على قاعدة مذكرة تفاهم يتم التعبير عنها بطريقة او باخرى. وفي مكان ثالث يتحدث عن استكمال المصالحة المسيحية مع سورية من خلال جهود ومساعي يبذلها مع الرئيس امين الجميل و”الكتائب”. وقبل ذلك كله وبعده طبعا هناك المهمة الاساسية المرتكزة على تمهيد الطريق لمصالحة جنبلاط مع دمشق لما فيه “مصلحة لبنان” عموما و”مصلحة الدروز” خصوصا، ما يقتضي ان يزور الزعيم الدرزي دمشق ومعه وفد كبير من المشايخ وفاعليات الطائفة…

في الصحف. في المجلات. في الاذاعات. في التلفزيونات. يبدي الرجل استعداده للعب دور توافقي ايضا بين السنة ودمشق والسنة والشيعة وربما بين المسيحيين انفسهم وبين المسيحيين والمسلمين او بين المناطق والعشائر والنقابات وابناء المذهب الواحد. رجل المرحلة متفائل بان القطار الذي ركب فيه هو وحلفاؤه يتسع للجميع على قاعدة “الامن والسياسة لدمشق والمساعدات المالية والاقتصادية للمملكة ودول الخليج”، بل يذهب الى ابعد من ذلك مبشرا بجسر الهوة الحضارية بين الشرق والغرب مطلعا على رسائل باراك اوباما الى زعماء المنطقة. لكنه لا ينسى ان عليه لعب دور لتحصين مسار القطار من “غدر الخارج” لذلك يهدد، وهو الملتصق بريف دمشق، بأن أي قرار دولي، من خلال المحكمة او غيرها، يمس سلبا بسورية وحلفائها، قد يؤدي الى خطف عناصر “اليونيفيل” وقتلهم، وربما أعاد لبنان إلى ثمانينيات القرن الماضي، ذلك الزمان الذي بقي “جميلا” في ذاكرة البعض حين كان الغربي يخطف في لبنان المزرعة… ويفرج عنه في سورية الدولة.

زمن وئام وهاب يشبه محطات كثيرة مر بها لبنان. محطات تقاتل الطوائف برعاية خارجية ووفاق الطوائف برعاية خارجية وانهيار الدولة واعادة انتاجها على صورة المجموعات الميليشيوية وامتداداتها الاقليمية. الزمن الآخر الذي انتفضت غالبية اللبنانيين من اجله يشبه نفسه. الاول يسير والآخر يتعثر، والعلامة المفكر بعثان بن غزوان لم يكن يبصر او يضرب في الرمل عندما ادرك ان لكل زمان دولة ورجالا.