جوني عبدو و”عدالة” لبنان

فارس خشّان

لن أترافع عن نفسي ضد الحكم الذي أصدرته محكمة المطبوعات ضدي وضد السفير جوني عبدو.

لن أترافع عن نفسي،لأنني إن فعلت أخجل من الشهيدين جبران تويني وسمير قصير ،فعقوبة غيابية بالسجن لشهر أو لثلاثة اشهر أو لسنة،من المعيب مقارنتها بعمليتي اغتيال عملاقي الكلمة الحرة والشجاعة .

جل ما سوف أفعله هو الحديث عن جوني عبدو، بعد توجيه باقة شخصية من الشكر إلى مستحقيها ،وهم :

*جماهير 14 آذار التي اندفع من بينها من يعرض عليّ أن يمضي عني عقوبة السجن ،على اعتبار أنني كنتُ أقوم بما يريدون مني القيام به ضد “العبء الوطني”أميل لحود،على حد تعبيرهم .وكلي ثقة بأن هؤلاء لا يبالغون في عرضهم وتضحياتهم،فمن يراقب وقوفهم الى جانب مبادئهم في شتى أنواع الإنتخابات ،على الرغم من كل الخيبات والتراجعات والخيانات،يدرك أننا أمام نخبة لبنانية تزيد البياض نصاعا وتغذي الأحمر وهجا وتبقي الأخضر نضِرا.

*كبار المسؤولين في نقابة الصحافة الذين هالهم هذا الحكم وما سبقه من أحكام ،فانكبوا على معالجة ما يعتبرون أن قضاتنا أضعف من معالجته.

*الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار التي لا تزال تحمل ،على الرغم من التجني عليها ومحاولات تصفيتها،مشعلا أضاءه اللبنانيون في الرابع عشر من آذار 2005 ويغذونه كلما دعيوا الى الساحات والى أقلام الإقتراع،وأجدني أخص بالذكر زميلين كبيرين ،هما عضوان فاعلان في هذه الأمانة العامة ،وأقصد بهما الصديق الصدوق نصير الأسعد والزميل المثابر نوفل ضو.

*وإن أنسى لن أنسى التضامن الملفوح بالمحبة الساطعة الذي لقيته من نخبة من الزملاء وأخص من بينهم من يستحق التخصيص،لأنه إبن معاناة الإضطهاد وأخلاقية مهنة المتاعب،وفي هذا الإطار تسطع أسماء جيزيل خوري ورندة تقي الدين وفيفيان صليبا داغر وحسين الوجه وحسن صبرا.

*وأخيرا وليس آخرا،اوجه حبي وتقديري الكبيرين الى أسرة تحرير موقع “يقال.نت”وإلى داعميه (وهم ليسوا سياسيين)وإلى متصفحيه الذين غمروني بأوسمتهم ،كما إلى زوجتي وحبيبتي كريتسين التي تتحمّل معي الضرّاء في مسيرة حياة ليس فيها من السرّاء …إلا ولدينا!
أما بعد،فسوف أختار الزاوية القضائية في حديثي عن شريكي في هذه “الجريمة الفظيعة”التي طاولت ،على حد ما قيل ،سمعة(!)أميل لحود.

إن محكمة المطبوعات التي اندفعت الى استصدار حكم في هذا الملف،متناسية عشرات الملفات المطروحة أمامها منذ ولاية الرئيس الراحل الياس الهراوي،لم تسأل دائرة قاضي التحقيق عن السنوات التي قضاها حتى اليوم،في سبات عميق ،ملف الإعتداء الوحشي الذي تعرضت له زوجة عبدو في منطقة الضبية ،على يد من سماه عبدو “الجبان الأوّل”،في إشارة واضحة الى رئيس جمهورية الحقبة السوداء أميل لحود!
آنذاك لم يحرك أميل لحود محكمة المطبوعات ضد جوني عبدو،بل حرّك أجهزته الأمنية لمنع نشر بيانه،إما بإهماله كاملا ،وإما بحذف مقاطع منه.

يومها،كان الجهاز الأمني اللبناني-السوري الذي يترأسه من الجانب اللبناني أميل لحود،”يتمرجل”بأشباح الليل ويتلذذ بجراح سيدة وحيدة،ذنبها أنها زوجة رجل يهابون عودته الى لبنان ،لأنهم يهابون عقله ،ويهابون مقدار احترامه في المؤسسة العسكرية ،ويهابون مدى التصاقه بعدوهم الأول آنذاك،”حبيبهم الأول”اليوم،رفيق الحريري!

محكمة المطبوعات التي هي جزء من تنظيم قضائي متكامل ،قفزت فوق “طمس “ملف إجرامي متهم به “الجبان الأول”،وأبحرت، غيابيا،في ملف لا يعدو كونه مقالة وقائع مثبتة بوثائق ومدعمة بشهود،عن سجل أميل لحود الأسود!

محكمة المطبوعات التي هي مرآة العدالة أمام الرأي العام،أسقطت العدالة في وحل “السخرية”بحكمها على جوني عبدو، في ملف التعرض لسمعة أميل لحود،بصفته كان رئيسا للجمهورية اللبنانية!
حكمها أتى،غداة حملة مشبعة بالقدح والذم والأخبار الكاذبة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان.حملة بقيت من دون ملاحقة!

حكمها يأتي،وسط حملة تشنيع غير مسبوقة بالسلطة القضائة.حملة تبقى من دون ملاحقة!
محكمة المطبوعات،تغمض عينيها هنا وتفتحها هناك،وتطالب اللبناني باحترام العدالة عموما وعدالتها خصوصا!

محكمة المطبوعات نفسها تلاحق جوني عبدو غيابيا وتحكم عليه بالسجن شهرا،من دون أن تتجرّأ على تقصي أسباب غياب عبدو عن لبنان.

عدالة ترتضي بتقديم نفسها جاهلة للحقائق،حتى تتمكن من فرض واقع معيّن.
عبدو غائب عن لبنان،منذ التسعينات،ليس لأنه مهاجر، بل لأنه مهدّد بالقتل ممّن لا تقوى لا محكمة المطبوعات ولا محكمة الجنايات ولا المجلس العدلي على المس به!

عبدو غائب عن لبنان لأن “الضحية”أميل لحود،ومنذ وصل الى قيادة الجيش مع فريق التحريض برئاسة جميل السيد،”فصيح “هذا الزمن الرديء،لم يترك موبقة إلا وألصقها بعبدو ،وأرسلها بتقارير مزوّرة الى المخابرات السورية، “قديسة”هذه المرحلة المقرفة،والى “حزب الله”،”بطل” هذه الايام المجروحة،مما وضعه على لائحة سوداء إستوجبت بقاءه في الخارج،بناء على إلزامات ونصائح أمنية !

محكمة المطبوعات،تقفز فوق كل ذلك وتحكم على جوني عبدو غيابيا،لأنه لم يقرأ من باريس التبليغ الذي تفضّلت ونشرته على بابها في قصر العدل في بيروت!

والطامة الكبرى أن ملاحقة جوني عبدو تمّت بناء على معلومات أوردها في مقالة –مقابلة،إعتبرتها النيابة العامة مسيئة لشخص أميل لحود،في حين أن جوني عبدو ،ومنذ سنوات طويلة حتى اليوم وغدا وبعد غد،هو ضحية فعلية لحملة شعواء بمعلومات مفبركة تنشرها صحف وترددها تلفزيونات وتمتلئ بها مواقع إلكترونية!

إسمعوا كبير المزوّرين ميشال سماحة .إلتفتوا الى صاحب التقارير المفبركة جميل السيّد.تأملوا بكتابات من هنا وهناك.

إقرأوا كيف قتل جوني عبدو بالإشتراك مع غيره محمد زهير الصديق، الذي عاد فقام من بين الأموات !

تمعّنوا في ما نشر عن خطة وضعها جوني عبدو للمحكمة الخاصة بلبنان ،من أجل تسريب معلومات تتهم “حزب الله” باغتيال الرئيس رفيق الحريري،وكم هي المفارقة كبيرة عندما يبدأ بتنفيذ هذه الخطة وئام وهاب ويتولى نشر تفاصيلها “حزب الله”من خلال وسائل إعلامه التي احتفت بحكم محكمة المطبوعات.
هذا جزء بسيط من مجلدات كبيرة،تُظهر أن وراء أكمة محكمة المطبوعات ما وراءها!

لن نقول إننا نُعطي صدقية لما يتردد عن أن توقيت هذا الحكم مرتبط بشائعات عن عودة وشيكة لجوني عبدو الى بيروت،ولكن على محكمة المطبوعات أن تدقق ،من الآن فصاعدا،بما تندفع الى فعله ،حتى لا تتسبب للعدالة بضرر يستحيل التعويض عنه !

جوني عبدو يستطيع أن يتجاوز هذا الحكم،وهو تحمل ما هو أقسى بكثير،ولكن العدالة …لا تستطيع!