قتال تراجعي

الياس الزغبي

كلّ الأجسام السياسية تبلغ مرحلة من الاكتفاء، أو الامتلاء بذاتها، فتأخذ حجمها في المجتمع السياسي والشعبي وحصّتها من سلطة القرار. وقد يدفعها صلف الغلبة الى الاستيلاء على حيّز أكبر من حجمها وحصّتها، أو قد تصيبها عوارض سلبيّة، ذاتيّة أو موضوعيّة، في لحظة اكتمالها، فتضعف قليلا أو كثيرا، ويصغر حجمها ويخفّ تأثيرها، وبعضها قد يدول أو يزول .

تلك هي حال الأحزاب والتيّارات في لبنان: بعضها نما وتجبّر، فكبا وتعثّر. بعضها الآخر تعلّم من أخطائه، فاستعاد شيئا من وزنه. وبعضها الثالث كادت تشطبه دورة السياسة من المعادلة، فعفا عليه زمن النفوذ، وكأنه في موت سريري.

وحده “حزب الله” ظلّ 28 عاما خارج معادلة الحياة والموت والقوّة والضعف، وكأنّه أمام مدى مفتوح لا أفق له، ولا حدود لقوّته، طالما أنّ السماء مظلّته.

في عرفه أنّه حزب ليس كالأحزاب، وجسم ليس كالأجسام، من طبيعة فوق بشرية، تحكمه سنّة غير دنيوية، لم يتردّد في اسباغها على “انتصاراته الالهية” و”أيّامه المجيدة”، وفي تلقينها لمريديه وأنصاره.

وفي عرف العلم السياسي، أنّ قوّته لا تأتي من فرادة طبيعته بين البشر والآلهة، بل من عناصر ماديّة متقاوية في تركيبته، أهمّها ثلاثة: السلاح والمال والايديولوجيا.
فعلت هذه العناصر فعلها على مدى عقود ثلاثة، فأنتجت جسما مدرّعا مدّ أذرعه في الداخل والخارج، وراح يقضم مواقع الدولة، ويغيّر أواليات النظام، ويستتبع الأحزاب والتيّارات ذات المناعة الواهية.

Continue reading

ذكرى مجزرة تدمر: هل إلى فك الحصار عن مَوتانا من سبيل..؟

بدر الدين حسن قربي

• كاتب سوري

تذكّرنا نهايات حزيران/يونيو من كل عام أنه كانت هناك مذبحة ما زال الحصار مفروضاً عليها رغم عشرات السنين على جريمتها. وكل ما يقال عنها أنه قُتل فيها ما لا يقل عن ألفٍ من مواطنين سجناء عزْلٍ أسرى، وذلك في أقل من ساعةٍ من زمن قبل الشمس، ودون أية محاكمات حتى صورية أوغير ذلك من الإجراءات التي تعارف عليها بنو الإنسان، حدثت في يومٍ شاميٍ تدمريٍ، كان عنواناً لكل ما هو شنار ودناءة وعار، فكانت في البشاعة آخرها، وفي الوحشية والدموية واللاإنسانية منتهاها.

ولئن كان الناس كل على طريقته يستطيع الحديث بأقصى طول من لسانه عن مجازر دير ياسين والبريح وقبية القدس وخان يونس وقلقيلية وكفرقاسم والسمّوع، وقانا 1 وقانا 2، والحرب على لبنان، والحرب على غزّة..و..و…و…..الخ مما لم يعد فيه شيء مستورا كشفاً عن الجريمة والتوحش، فإن الحديث عن “مجزرة تدمر” لمختلف. ولئن كان منفذو هذه المذابح معروفين بأسمائهم ورتبهم ومناصبهم، فإن منفذي مجزرة تدمر ما زالت أسماؤهم مخفيةً طيّ الكتمان، وإن كانت الأصابع تشير إلى المتورطين أمراً وتنفيذاً. ولئن كان أهل الضحايا في المجازر الصهيونية يعرفون أسماء شهدائهم وضحاياهم وأماكن دفنهم وقبورهم، وحتى أن بعضها أقاموا لها النصب والجداريات التي تدل عليها وتذكّر العالم بها، فإن أهلنا لا يعلمون عن شهداء تدمر ولا عن مقابر حشاشات قلوبهم الجماعية شيئاً، ولا حتى أسماءهم. ورغم السعي الدؤوب الخيّر لكل الخيّرين من أصحاب الحق وأنصاره لفك الحصار الإسرائيلي عن أحبائنا وأحيائنا في غزّة، فإن موتانا المحاصرين لا بواكي لهم، وأصحاب تدمر في عموم أمرهم يسرحون ويمرحون ممانعين ومقاومين لفك الحصار عن أمواتنا ممن فُقدوا في تدمر وفي غيرها أيضاً ممن بلغوا الآلاف من المفقودين.

17 ألف مفقود سوري ومليون مجرّد من الحقوق السياسية

Continue reading