ميقاتي و…حسن الظن


فارس خشّان

يردد الرئيس نجيب ميقاتي، في إطلالاته الإعلامية “المكثفة”، عبارة واحدة: “سوف أكون عند حسن ظنكم”.
هذه العبارة يقولها للبنانيين عموما ولأبناء الطائفة السنية خصوصا، وللمجتمع الدولي عموما وللولايات المتحدة الأميركية خصوصا!

ولكن الرئيس نجيب ميقاتي تفوته حقيقة واحدة: وصوله بالذات الى رئاسة الحكومة ، هذه المرة، ليس عند حسن حظ اللبنانيين الذين يحاول استدرار عطفهم!]

هؤلاء اللبنانيون، وهذا ما يدركه ميقاتي،هم الذين أدخلوه في العام 2005 إلى نادي رؤساء الحكومات، يوم كانت المفاضلة بين منسوبَين من “اللا إستقلاليين”، أي بينه وبين عبد الرحيم مراد.
في العام 2005، لم يكن “ترئيس” ميقاتي، هو “ترئيس” للأكفأ، وللأنظف، بل كان “ترئيسا” للأجدى.

وكان، خيار هؤلاء اللبنانيين، يومها “عند حسن ظنّهم”، لأن الخيار حتّمته الظروف الإنتقالية والمعطيات المحلية والسياسية، والأكثرية “السورية” في مجلس النواب.

وكان، خيارهم ، يومها ليس مفاضلة بين “قصير” و”طويل” وبين “أسود” و”أبيض” وبين “تابع لبشار الأسد” وبين “صديق بشار الأسد”، بل بين قادر على التناغم مع قوة شعبية حاسمة تكرست في ذاك الرابع عشر من آذار 2005، وبين “ساقط” في حفرة التحدي الوجودي التي صنعها ذاك الثامن من آذار 2005.

هذه المرة، ليست كالمرة السابقة، لأن كل المعطيات التي أتت بنجيب ميقاتي الى رئاسة الحكومة تكليفا، لن تجعله عند حسن حظ هؤلاء اللبنانيين.

هذه المرة، لم يتنافس لا مع الرئيس عمر كرامي- أحد ضحايا الولاء لـ”حزب الله”- ولا مع عبد الرحيم مراد- أحد المخدّرين بحلم الوصول- بل مع الرئيس سعد الحريري، بصفته رمز انتفاضة 14 آذار، ورمز “العلاقة التنازعية” مع دمشق، ورمز”العلاقة الندية” مع “حزب الله”، ورمز أولياء الدم السياسي لنخبة اغتيلت غالبيتها، في ظل تمهيد الطريق لميقاتي، وفي ظل مرحلته الإنتقالية.

وهنا، لا جدوى من المقارنات السطحية التي يشجّع ميقاتي عليها ويتولاها “المتوافقون” على إيصاله الى السراي، المتوجة بشعار ” لو دامت لغيرك لما آلت إليك”.

فالمسألة ليست في من هو “سني” أكثر. وليس في من هو “خبير” أكثر. وليس في من هو “مليء” أكثر. وليس في من هو “طلِق” أكثر. وليست في من هو “ليبرالي” أكثر. وليس في من هو “كيدي” أكثر.

المسألة في مكان آخر، تماما.

ميقاتي – والأدلة متوافرة بكثرة- لديه مهمة واحدة لا غير: قطع التعاون اللبناني مع المحكمة الخاصة بلبنان، مما يوفّر حماية لـ”المقاومة”.

وقد اختير ميقاتي لهذه المهمة، بعدما ظهر لـ”حزب الله” ودمشق أن هذه المهمة تحتاج الى صفات نجيب ميقاتي “التفاضلية”.

أما الحريري، فأطيح به، لسبب وحيد، وجوهره أنه لن يقطع هذا التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان، بل يصر على ظهور الحقيقة من لدن القرار الإتهامي، على أن يكون “التنازل” عن العدالة لاحقا لمصلحة لبنان- الدولة ، لبنان الذي يملك ما يكفي من أدوات، لئلا تعود الجريمة السياسية الى الساحة اللبنانية، بمجرد طي صفحة العدالة!

هنا تكمن المقارنة، وليس في مكان آخر.

وهنا يكمن المفصل الذي يتيح للبنانيين الذي يستدر نجيب ميقاتي عطفهم، أن يحددوا، مسبقا، أنه يستحيل أن يكون من استغلّ إنقلاب “حزب الله” على “الرمز”، عند “حسن ظنهم“.