من – المسيرة
في 14 ايلول 2016 رحل ابو روي فوزي محفوظ كأنّه كان على موعد دائم مع بشير الجميل.
رافقه في تأسيس “القوات اللبنانية” وشاء القدر أن يكون يوم رحيله الى العالم الآخر في 14 ايلول في اليوم نفسه الذي رحل فيه بشير.
ابو روي كان مقاوماً منذ اليوم الاول الذي نادته فيه المقاومة اللبنانية حتى قبل ان تبدأ الحرب في 13 نيسان وبقي مقاوماً حتى اليوم الاخير في حياته ورفيق نضال دائم لا ينتهي.
“أبو روي”… كان يكفي ان تذكر هذا الإسم فقط ليعرف الجميع عمّن تتحدّث. ابو روي كان مثالاً في التضحية والوفاء وسيبقى المثال.
هذه المقابلة معه نُشرت في “المسيرة” في 14 ايلول 2015 في العدد الخاص بالرئيس الشيخ بشير الجميل. ونعيد نشرها وفاءً لذكراه.
من صفوف “التنظيم” الى تنظيم الصفوف… فوزي محفوظ: هكذا بدأنا توحيد “القوات” (بقلم يوسف الهاشم)
فوزي محفوظ، “أبو روي” كما يعرفه الجميع في المقاومة المسيحية، كتائبي النشأة، شارك في معارك العام 1958 في صفوف حزب “الكتائب اللبنانية” وكان لا يزال في السابعة عشرة.
ترك صفوف “الكتائب” عام 1967 وكان يومها أمين سر القوى النظامية، بعدما رفض القبول بأن تصل الى رئيس الحزب معطيات خاطئة وتجافي الحقيقة، عن نشاط التدريب في المخيم الشبابي.
منذ العام 1969 بدأت بشائر تأسيس حركة جديدة على الساحة المسيحية لتكون بعد ذلك ما عُرف بـ”التنظيم”، وكانت الانطلاقة مع أربعة من رفاقه هم عزيز طربيه وعُباد زوين وسمير ناصيف وجورج حصري، حيث بدأوا بتدريب الشباب المسيحيين على القتال وحمل السلاح منذ ذلك الوقت، وكانوا يستقبلونهم في البداية بأعداد قليلة، بين عشرة و15 وعشرين على أبعد تقدير، حتى وصل عدد الشباب الذين دربوهم الى 14500 شاب عام 1977.
“التنظيم”… والتدريب
“هؤلاء الشباب لم يكونوا ملتزمين معنا بشيء”، يقول أبو روي في مكتبه في مشتله الزراعي في تحويطة فرن الشباك. ويضيف: “كان كل منهم يشترك في مخيم التدريب بمبلغ عشر ليرات، وهي بدل النقل والطعام وثمن الرصاص خلال أيام التدريب. لقد عُرفت حركتنا في البداية بـ”حركة الأرز” ولم يطلق عليها الإسم علناً لأنها كانت سرية في تلك الأيام، وصار إسمها بعد ذلك “التنظيم” لأنها كانت تعنى بتنظيم الأحياء المسيحية في المناطق.
التعرف الى بشير… الاحتكاك الأول
لقد كنا نرى الشيخ بشير وهو صغيراً عندما كان ينزل مع والده الشيخ بيار الى البيت المركزي ولا سيما عام 1958. لقد كان في التاسعة تقريباً وكنت في الـ17. إلا أن أول احتكاك عملي وفعلي معه كان في العام 1973 خلال التظاهرة التي كان يقودها والتي انطلقت من مدرسة الحكمة الى وزارة الخارجية دعماً للجيش اللبناني بعد الاشتباكات مع المسلحين الفلسطينيين، وقد كانت مخططة على هذا النحو. وعندما وصلنا الى الخارجية اقتربت منه وقلت له: “إن التظاهرة تبقى بلا قيمة إذا لم نصل الى المستشفى العسكري ومعاينة الشباب المصابين الموجودين فيها”، فاقتنع بالفكرة، واتجهنا الى طريق الشام ووصلنا الى المستشفى العسكري.
لقد لمست منذ ذلك الوقت كم كان مهتمًا بمتابعتي للأمور وصدقي في التعامل، وأحسست أنه يبدي ارتياحًا كبيرًا عندما أكون بقربه، حتى أنه عندما لم يكن يراني كان يسأل الشباب “وين فوزي”؟
معركة تل الزعتر
زارني شاب من سن الفيل يدعى جوزف شاوول. لقد كان في صفوفنا وانتقل الى حزب “الوطنيين الأحرار” بطلب من الريّس داني (شمعون)، وقال لي: “إننا نتعب كثيرًا في منطقة جسر الباشا من الضغط العسكري الفلسطيني علينا، ويجب أن ننفذ عملية كبيرة عليهم في جسر الباشا لكي نرتاح”. فأجبته بأن عملية جسر الباشا مكلفة كثيرًا ولا نصل فيها الى نتيجة، وطلبت منه العودة الى الريس داني وأن يقول له إذا أراد القضاء على الجسر فعلينا أن نسقط مخيم تل الزعتر.
ذهب شاوول الى داني وأتى بجواب إيجابي، وأنه اقتنع بالفكرة ووجهة نظري بضرورة إسقاط مخيم تل الزعتر، وأنه يجب البدء بالتحضير للمعركة. وهكذا حصل أول اتصال مباشر لي مع الشيخ بشير، إذ ذهبت إليه وأخبرته بضرورة أن يشارك حزب “الكتائب” في المعركة لإسقاط مخيم تل الزعتر، ووضعته في أجواء ما جرى مع داني شمعون. فكان جواب بشير المباركة المطلقة للعملية، ولكنه اشترط عليّ أن يبقى الاتفاق بيني وبينه “عالسكت”… وبدأت معركة تل الزعتر.
حضر الشباب من عند بشير وشاركوا في العملية، ونفذوا عمليات خاصة جريئة… كانوا يحضرون الى ثكنة مار شعيا حيث قيادة المعركة ويأخذون ما يشاؤون من الذخائر. وفي أول يوم مشاركتهم في القتال عادوا ليلاً وأرادوا لشدة مناقبيتهم ومثاليتهم أن يسلموا ما تبقى معهم من ذخيرة على أن يعودوا في الصباح ويأخذوها، ولكني لم أقبل طبعًا، وتركت لهم الذخيرة على أن يأخذوا ما يشاؤون متى أرادوا.
حلّ “التنظيم”… وولادة “القوات”
لم يكن بشير يومها يتولى مسؤولية القيادة العسكرية الرسمية لكنه كان بين الشباب ومعهم، المسؤول الرسمي كان وليم حاوي. بعد استشهاد حاوي في المعركة في تل الزعتر، تولى بشير مكانه رئاسة مجلس الأمن الكتائبي. وفي خضم المعركة، وقبيل حسم الوضع في تل الزعتر، اتصل بي بشير وطلب الاجتماع بي وحدد الموعد ليل يوم ثلاثاء عند الثانية عشرة منتصف الليل، لكي لا يزعجنا أحد. حضرت الى مقره في بناية سوكوماكس حيث كان مقر القيادة قرب البيت المركزي. كان استقبالاً حارًا جدًا، وقال لي: “يا أبو روي، عندي سؤالين لإلك”. الأول، وبعد أن أصبحت رئيسًا للمجلس الحربي وبدأت بتسوية الأمور والأوضاع الداخلية، أريد أن أتحدث معك بخصوص “جبهة الأسواق” وإمكان المساعدة فيها”. فقلت له: “يا شيخ بشير كيف تطلب ذلك؟ إن المعركة معركتنا جميعًا وسنشارك فيها جميعنا”. واتفقنا على أن نكون الى جانبه في الأسواق وبكل قدراتنا عندما نحسم معركة تل الزعتر.
وسألته عندما توقف عن الكلام: وما هو السؤال الثاني؟ فقال لي: “بعد الحديث الذي جرى والجواب على السؤال الأول، ليس لي الحق أن أسأل أي شيء آخر”. عندئذ قلت له: “أنا حضرت لكي أسمع السؤال الثاني”، فتمنّع من جديد. ولكن بعد إصراري قال لي: “سأطرحه شرط أن تسمعه وتنساه”. وافقت. فقال: “كنت أريد أن أطلب منك أن تحضر الى المجلس الحربي وتكون الى جانبي”. فقلت له من جديد: “أنا كنت آتيًا من أجل هذا السؤال”.
استمر الاجتماع حتى الساعة الخامسة فجرًا، ووصلنا الى نتيجة سويًا بأنه من الضروري جدًا وحدة الصف المسيحي، لأنه بوحدتنا فقط نربح، لا “الكتائب” ولا “الأحرار” ولا أي أحد آخر يمكنه أن يربح بمفرده. لكي نربح يجب أن نوحد الصفوف. وبررت له ذلك وقلت: “لو أتيت بكل القيادات التي تقاتل الى المجلس الحربي، فلا قيمة للاجتماعات إذا لم نوحد قواتنا جميعًا”. وعندما اقتنع بالفكرة قال لي: “جماعتك بيمشوا؟” فأجبته: “جماعتي ماشيين أكتر مني”.
وحددنا موعدًا يوم الأربعاء، وقد كنا أصبحنا فعلا في يوم الأربعاء، الساعة الخامسة بعد الظهر في أوتيل برنتانيا، واجتمع بنا وكان حاضرًا معي الدكتور فؤاد الشمالي والأستاذ جورج عدوان. أما الشيخ بشير فكان معه فؤاد روكز. وكانت أفكارنا نحن الثلاثة متطابقة مئة في المئة مع ما طرحت خلال اجتماعي به ليلاً، لدرجة أنه تفاجأ بذلك. وتقرر نتيجة الاجتماع أن نلتقي في اليوم التالي الساعة الخامسة بعد الظهر وأيضًا في أوتيل برنتانيا بعد الاتصال بداني شمعون وتثبيت الموعد.
وعلى الموعد حضر داني وكان تطابق في الأفكار أيضًا. لم تأخذ المناقشات أكثر من نصف ساعة، وعندئذ طلب مني داني حضور أبو أرز الى الاجتماع فحضر. وبالتأكيد وافق على كل الأمور ومشى في ذلك. وهكذا تم الاتفاق بين الجميع وأنشئت “القوات اللبنانية” ودخلنا مجلس القيادة، وحلّ بذلك “التنظيم”، وصرنا الى جانب بشير في مجلس القيادة. وقد كنت محط ثقة لديه، إذ كلفني بأكثر من مهمة عندما كان يريد تصويب مسار مهمة ما أو قضية حساسة أو الوقوف على الحقيقة كاملة.
انتخاب بشير… واغتيال الحلم
لم يبقَ أحد إلا وطار من الفرحة بانتخاب الشيخ بشير رئيسًا للجمهورية. كان الجميع يعتبر ذلك حلمًا. كانت الفرحة كبيرة ولا توصف. ولكن أنا شخصيًا كنت أقول له “بكير بعد”، لشدة قناعتي بأن المرحلة لم تكن مناسبة لوصوله، وقلت له ذلك من خوفي الكبير عليه، وليس من منطلق شخصي فقط… وعندما اغتيل راح الحلم.